
التضامن من أجل التغيير: تعزيز الصحة وحقوق أفراد مجتمع الميم-عين في لبنان
يُعتبر لبنان، رغم شهرته بتنوعه الثقافي، بيئة صعبة للغاية للمجتمعات المهمشة، وخصوصًا أفراد مجتمع الميم-عين. ففي أوقات السلم، تواجه هذه الفئة تمييزًا منهجيًا، وصعوبات في الوصول إلى الرعاية الصحية، وغيابًا للحماية القانونية. وقد تفاقمت هذه التحديات بشكل حاد خلال حرب عام 2024، مما عرّض أفراد المجتمع لخطر التهجير، والإقصاء من مراكز الإيواء، وتقييد الوصول إلى الرعاية الصحية، وزيادة الوصم.
في خضم هذا الاضطراب، برزت منظمة براود ليبانون كنقطة ضوء أساسية، حيث سارعت إلى تقديم الخدمات الطبية الأساسية، والدعم النفسي، والمساحات الآمنة، والموارد الحيوية كأدوية فيروس نقص المناعة. إلا أن الأزمة كشفت عن هشاشة النظم الداعمة القائمة، وأكدت الحاجة الماسّة إلى تدخلات مستدامة وشاملة.
بدعم ثابت من الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة (الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة)، أطلقت براود ليبانون مبادرة متعددة المحاور من يونيو حتى ديسمبر 2024 لمعالجة هذه الفجوات الحرجة. لم تقتصر المبادرة على تقديم الإغاثة الفورية، بل ركزت أيضًا على التمكين طويل الأمد، وبناء القدرات، والدعوة إلى التغيير الجذري.
بناء قدرات صحية شاملة
شكّل ورشة التوعية بعنوان “بناء بيئة رعاية صحية شاملة لأفراد مجتمع الميم-عين في لبنان” حجر الزاوية في المشروع، وقد نُظمت بتاريخ 9 ديسمبر 2024. جمعت الورشة 40 من مقدمي/ات الرعاية الصحية من مختلف أنحاء لبنان، وناقشت حاجات وتحديات المرضى من مجتمع الميم-عين. وتضمّنت الجلسات مواضيع عن مفاهيم النوع الاجتماعي، والهوية الجندرية، والتعبير الجندري، والخصائص الجنسية، الجراحات التحولية، العلاج الهرموني، والصحة النفسية، ما مكّن المشاركين/ات من اكتساب أدوات عملية لتقديم رعاية أكثر شمولًا وتعاطفًا. ووصفت التجربة بأنها محورية في مسار إزالة العوائق البنيوية داخل النظام الصحي.
رفع الوعي وتوجيه الخطاب العام
وسّعت براود ليبانون انتشارها عبر حملتين مؤثرتين على وسائل التواصل الاجتماعي. في يوم الإيدز العالمي 2024، أطلقت حملة “غير قابل للكشف = غير ناقل (U=U)” التي فككت الخرافات المرتبطة بفيروس نقص المناعة، مؤكدة أن الأشخاص الذين لديهم حمولة فيروسية غير قابلة للكشف لا يمكنهم نقل الفيروس. وقد أصبحت الفيديوهات المنتجة بالتعاون مع البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز أدوات تعليمية أساسية انتشرت بشكل واسع.
وفي يوم حقوق الإنسان 2024، نشرت براود ليبانون فيديو قويًا يسلط الضوء على عالمية حقوق الإنسان، والحاجة الماسة لحماية الفئات المهمشة خلال الأزمات. شارك في الحملة الممثل اللبناني فؤاد يمين، وأثارت موجة من التعاطف والنقاش حول المساواة والكرامة.
المناصرة المبنية على البحث
أُجريت دراسة وطنية نوعية بالتعاون مع الدكتورة ريتا باروتا من الجامعة اللبنانية الأمريكية (LAU)، لتقييم التحديات التي يواجهها أفراد مجتمع الميم-عين في مجالات الصحة، والتعليم، والعمل، والحياة الاجتماعية. وكشفت النتائج عن التمييز المنتشر والفجوات القانونية. ومن المقرر إطلاق الدراسة خلال فعالية عامة تنظمها شبكة الاتحاد اللبناني من أجل التغيير (LUC) لتكون أساسًا للمناصرة المستقبلية والإصلاحات السياسية.
توسيع الوصول إلى الخدمات الصحية
أظهرت مبادرة العيادة المتنقلة التزام براود ليبانون بالصحة الجنسية والإنجابية، حيث قدمت فحوصات مجانية للأمراض المنقولة جنسيًا في مناطق عالية الخطورة مثل الدورة والملاهي الليلية، حتى توقفت بسبب الوضع الأمني. رغم توقف العمليات الميدانية، استمرت الخدمات عبر المركز الرئيسي للفحوصات الطوعية (VCT).
وبدعم من الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، قدّمت الفرق الطبية الخدمات التالية:
- استمرار 330 شخصًا متعايشًا مع فيروس نقص المناعة في تلقي العلاج المضاد للفيروسات (ART)
- حصول 30 شخصًا من المتحوّلين/ات على استشارات في الغدد الصماء
- تقديم 255 معاينة عامة قبل مغادرة الطبيب العام، تلتها 55 استشارة مع الطبيب الجديد
- إجراء 117 استشارة في الأمراض المعدية لتقديم رعاية مخصصة لحالات فيروس نقص المناعة
رغم التحديات اللوجستية والنزاع، استطاعت المنظمة الحفاظ على استمرارية هذه الخدمات المنقذة للحياة.
دمج الرعاية النفسية والطب النفسي
بسبب التحديات النفسية المضاعفة الناتجة عن الحرب والوصم والعزلة، وسّعت براود ليبانون نطاق خدماتها لتشمل الطب النفسي إلى جانب الدعم النفسي القائم. تم تقديم 40 جلسة طب نفسي تناولت اضطرابات معقدة كاضطراب ما بعد الصدمة، الاكتئاب، والقلق، ضمن نهج شمولي.
تمكين القادة المجتمعيين
عززت براود ليبانون القيادة المحلية من خلال جلسات توعية في طرابلس، زحلة، وبيروت، حضوريًا وعبر الإنترنت. كما نُظم تدريب لمدة يومين في سبتمبر 2024 استهدف 20 قائدًا من مجتمع الميم-عين لتدريبهم على المناصرة، التوعية القانونية، وتنظيم المجتمع. أدت هذه الجهود إلى تأسيس شبكة وحدة لبنان (شبكة وحدة لبنان)، وهي مجموعة قاعدية تدافع عن إلغاء القوانين التمييزية، وخصوصًا المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني.
تحسين البنية التحتية
بفضل منحة الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، حسّنت براود ليبانون بنية مركزها عبر تركيب بلاط جديد، إصلاح أنظمة الأمان، ومعالجة مشكلات هيكلية. رغم تأجيل تركيب نظام الطاقة الشمسية بسبب القيود المالية، مثّلت هذه التعديلات خطوة مهمة نحو بيئة أكثر أمانًا وترحيبًا.
تعزيز المتابعة والتقييم
وضع مستشار/ة متخصص/ة خطة متابعة وتقييم مخصصة للمشروع، لتشكيل أساس للمساءلة والتعلّم. وسيساعد هذا الإطار في توجيه المبادرات المستقبلية للمنظمة، وضمان تتبع النتائج بشكل فعّال.
نداء إلى العمل
إن التحديات التي يواجهها أفراد مجتمع الميم-عين في لبنان بنيوية ومعقدة. وقد أثبت البحث والميدان أن الوصول إلى المأوى والرعاية والسلامة لا يُمكن اعتباره أمرًا مضمونًا. إن استدامة هذه المبادرات تتطلب دعمًا مستمرًا من المانحين، وصنّاع القرار، والحلفاء المؤمنين بالمساواة، والكرامة، وحقوق الإنسان للجميع.
تُعد مبادرة التضامن من أجل التغيير، بدعم من الاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة، شهادة حية على ما يمكن إنجازه عندما يلتقي الالتزام بالتعاطف. معًا، نستطيع الاستمرار في بناء لبنان يضمن لكل فرد، بغض النظر عن هويته الجندرية أو ميوله الجنسية أو وضعه من حيث فيروس نقص المناعة، حياةً مليئة بالكرامة، والصحة، والأمل.